فصل: تفسير الآية رقم (45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أمّا الكَافِرُ فليس أهلًا لأن يخاطبه الله تعالى فلهذا السّبب لم يذكر الله تعالى أنَّهُ خاطبهم بهذا الخطاب بل ذكر الله تعالى أنَّهُ بيَّن هذا الحكم.
و{نعم} حرف جواب كأجل وإي وجير وبلى، ونقيضتها لا.
و{نَعَمْ} تكون لتصديق الإخبار، أو إعلام استخبار، أو وَعْدِ طالب، وقد يُجَابُ بها النَّفي المقرون باستفهام وهو قليل جدًّا كقول جحْدَرٍ: [الوافر]
أَليْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أمَّ عَمْروا ** وإيَّانَا فَذَاكَ بِنَا تَدَانِي

نَعَمْ وتَرَى الهِلالَ كَمَا أرَاهُ ** ويَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلاَنِي

فأجاب قوله: {ألَيْسَ} بـ {نعم}، وكان من حقه أن يقول: بلى، ولذلك يُرْوَى عن ابن عباس في قوله تعالى: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172]: لو قالوا: نعم لكفروا، وفيه بحثٌ يأتي إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى قريبًا.
وقرأ الكسائِيُّ والأعمشُ ويحيى بن وثَّابٍ بكسر عينها، وهي لغة كنَانَة، وطعن أبُو حَاتِمِ عليها وقال: ليس الكسر بمعروف.
واحتج الكِسَائِيُّ لقراءته بما يُحكى عن عمر بن الخطاب أنَّه سأل قومًا فقالوا: نعم بالفتح، فقال: أمَّا النَّعَم فالإبل فقولوا: نَعِم أي بالكَسْرِ.
قال أبو عبيد: ولم نَرَ العرب يعرفون ما رَوَوْه عن عمر ونراه مُوَلَّدًا.
قال شهاب الدين: وهذا طَعْنٌ في المُتَواتِر فلا يُقبل، وتبدل عينها حاءً، وهي لغة فاشية، كما تبدل حاء حتى عينًا.
قوله: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ}.
التأذين في اللُّغَةِ النداء والتّصويت الإعلام، والأذان للصّلاة إعلام بها وبوقتها.
وقالوا في {أذَن مؤذّن}: نادى مناد أسمع الفريقين.
قال ابن عباس: وذلك المؤذن من الملائكة وهو صاحبُ الصُّورِ.
قوله: {بينهم} يجوز أن يكون منصوبًا بـ {أذَّن} أو بـ {مؤذن} فعلى الأول التقدير:
أنَّ المؤذن أوقع ذلك الأذان بينهم أي في وسطهم.
وعلى الثَّاني التَّقديرُ: أنَّ مؤذِّنًا من بينهم أذَّن بذلك الأذان، والأول أوْلَى.
وأن يكون مُتَعَلِّقًا بمحذوف على أنَّهُ صفة لـ {مؤذّن} قال مكيّ- عند إجازته هذا الوَجْهِ-: ولكن لا يعمل في أنْ {مؤذِّن} إذ قد نعته يعني أنَّ قوله: {أَن لَّعْنَةُ الله} لا يجوز أنْ يكون معمولًا لـ {مؤذّن}؛ لأنَّهُ موصوف واسم الفاعل متى وصف لم يعمل.
قال شهابُ الدِّين: وهذا يوهم أنَّا إذا لم نجعل {بَيْنَهُمْ} نعتًا لـ {مؤذِّن} جاز أن يعمل في {أنْ}، وليس الأمر كذلك؛ لأنَّكَ لو قلت: ضرب ضَارِبٌ زيدًا تنصب زيدًا بضرب لا بضارب.
لكني قد رأيت الواحِدِي أجاز ما أجاز مكيّ من كون {مؤذّن} عاملًا في {أن}، وإذا وصفته امتنع ذلك، وفيه ما تقدّم وهو حسن.
قوله: {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} أنْ يجوز أن تكون المفسِّرة، وأن تكون المخففة، والجملة الاسميَّة بعدها الخبر، فلا حاجة هنا لفاصل.
وقرأ الأأخوان، وابن عامر، والبزِّي: {أنَّ} بفتح الهمزة وتشديد النون، ونصب اللَّعنة على أنَّهَا اسمها، و{على الظالمين} خبرها، وكذلك في [النور 7] {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَيْهِ} خفَّف {أنْ} ورفع اللّعنة نافع وحده، والباقون بالتشديد والنَّصب.
قال الواحِديُّ: مَنْ شدّد فهو الأصلُ، ومن خفَّف فهو مخففة من التشديد على إرادة إضمار القصّة والحديث تقديره: أنه لعنة الله، ومثله قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ} [يونس: 10] التقدير: أنَّهُ، ولا يخفف {أنْ} هذه إلا وتكون بعد إضمار الحديث والشأن.
وقرأ عصمةُ عن الأعمشِ: {إنَّ} بالكسر والتشديد، وذلك: إمَّا على إضمار القول عند البصريين، وإمَّا على إجراء النِّداء مُجْرى القول عند الكوفِيِّين. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في نعم:
نَعَمْ ونَعِمْ ونَعامِ، ونَحَمْ ونَحِمْ لغاتٌ، وهى حروف تصْديقٍ ووَعْدٍ وإِعْلامِ، فالأَوّل بعد الخَبَر كقامَ زيدٌ وما قام زيدٌ، والثانى بعد افْعَل أَوْ لا تفعل أَو ما في معناهما، نحو هلاَّ تَفْعَلُ، وهلاَّ لم تَفْعَل، وبعد الاسْتِفْهام نحو هَلْ تُعْطِينى، والثالث بَعْدَ الاسْتفهام في نحو هَلْ جاءَك زيدٌ، ونحو: {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا}.
قيل: وتأْتى للتوكيد إِذا وقعت صَدْرًا نحو: نَعَمْ هذه أَطلالُهم، والحقُّ أَنها في ذلك حرْفُ إِعْلام وأَنها جوابٌ لسؤالٍ مقدّر.
وقرأ الكِسائىّ: نَعِم بكسر العَيْن، وهى لغة كِنانة والباقون نَعَم بفتح العين.
وقرأَ ابنُ مسعود نحم بإِبْدال العَيْن حاءً.
قال سيبويه: أَمّا نَعَمْ فعِدَةٌ وتصديق، وأَمَّا بَلىَ فيوجب بها بعد النَّفْى، فكأَنَّه رأَى أَنَّه إِذا قيل: قامَ زيدٌ فتصديقُه نَعَمْ، وتكذيبُه لا، ويمتنع دخول بَلَى لعدم النَّفى، وإِذا قيل: ما قامَ فتصديقُه نَعَمْ، وتكذيبهُ بَلىَ، ومنه: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَى}.
وأَمّا نَعَم في بيت جَحْدَر:
أَلَيْسَ الَّليْلُ يجمعُ أُمَّ عَمْرو ** وإِيّانا فذَاكَ بنا تَدانى

نَعْمَ وأَرَى الهِلالَ كما تراهُ ** ويَعْلُوها النَّهارُ كما عَلانِى

فجوابٌ لغير مذكورٍ، وهو ما قدّره في اعتقاده من أَنَّ اللَّيل يجمعُه وأُمَّ عمرو، أَو هو جوابٌ لقوله: وأَرَى الهِلالَ.
البيت، وقدّمه عليه، أَو لقوله: فذاك بنا تدانِى، وهو أَحسن. والله أعلم.
ونِعْمَ: كلمةٌ مستوفِيَة لجميع المَدْح، كما أَنَّ بِئْسَ كلمةٌ مستوفية لجميع الذمّ، فإِذا وَلِيَهُما اسم جنسٍ ليس فيه أَلف ولام انتصبَ، تقول بئس رَجُلًا زيدٌ ونِعْمَ صديقًا أَنتَ على التمييز.
وهما فِعْلان ماضِيان لا يَتَصَرَّفان لأَنَّهما أُزِيلًا عن موضعهما، فنِعْمَ منقولٌ من قولك: نَعِمَ فلانٌ: إِذا أَصاب نِعْمَةً، وبئس منقولٌ من قولك بَئسَ فلانٌ: إِذا أَصاب بُؤسًا، فنُقِلا إِلى المدح والذَمّ فشابَها الحروف فلم يَتَصَرَّفا.
وفى نِعْمَ لُغاتٌ: نَعِمَ كعَلِمَ، ونِعِمَ بكسرتين، ونِعْمَ بكسر النون وسكون العين، ونَعْمَ بفتح النون وسكون العين.
ويقال: إِنْ فَعَلْتَ كذا فَبِها ونِعْمَتْ، بتاءٍ ساكنة وقفًا ووصلًا أي نِعْمَت الخَصْلَةُ.
وتدخُلُ عليه ما فيُكْتَفَى بهما عن صِلَته، نحو: دَقَقْتُه دَقَّا نِعِمَّا ونِعْمّا بفتح العين أي نِعْم ما دَقَقْته.
والنِّعْمَة والنَّعِيم والنُّعْمَى: الخَفْضُ والدَّعَةُ، والمالُ.
وجمعُ النِّعمة: نِعَمٌ، وأَنْعُمٌ.
والتَنَعُّم: التَّرَفُّه.
والاسم النَّعْمَة، وقد نَعِمَ بالكسر يَنْعَمُ ويَنْعُمُ ويَنْعِمُ.
وهذا منزلٌ يَنْعَمُهُم مُثَلَّنا، ويُنْعِمُهم عن الفَرّاءِ، قال تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ} الإِنعام: الإِحسان إِلى الغير ولا يُقال إِلاَّ إِذا كان المُحْسَن إِليه من النَّاطِقين، فلا يقال أَنْعَمَ على فَرَسِه.
ونَعَّمَهُ تنعيمًا: جعله في نِعْمَةِ ولينِ عَيْش.
وطعامٌ ناعِمٌ، وجارِيةٌ ناعِمةٌ ومُناعِمَة ومُناعَمَة ومُنَعَّمة: حَسَنةُ العَيْش والغذاءِ.
وقيل: النِّعْمَة، والنُّعْمَى بالضمّ، والنَّعْماءُ بالفتح والمدّ: اليَدُ البَيْضاءُ الصَّالحةُ، والجمع: أَنْعُمٌ ونِعَمٌ ونِعِمَاتُ.
وأَنْعَمَها الله عَلَيْه، وأَنْعَمَ بها.
ونَعِيمُ الله: عَطِيَّته، ومنه {جَنَّةَ نَعِيمٍ} ونَعِمَ اللهُ، بك ونَعِمَكَ، وأَنْعَمَ بك عَيْنًا: أَقرَّ بك عَيْنٌ مَنْ تُحِبُّه، أَو أَقرَّ عينَك بِمَن تُحبُّه.
ونَعْمُ عَيْن ونُعْمُ عَيْنٍ، وَنَعْمَةُ، ونُعْمَةُ، ونُعْمَى، ونَعامُ، ونُعامُ، ونِعامُ، ونَعِيمُ، ونَعامَى عَيْنٍ، يُنْصَبُ الكُلُّ بإِضمار الفِعْل، أي أَفعل ذلك إِنْعامًا لعينك وإِكرامًا.
والنَّعَمُ مختصٌّ بالإِبل، وقيل: بها وبالشاءِ، قيل:
وبالبَقَرِ، والجمع أَنْعامٌ، وأَناعيمُ جمع الجمع، قال تعالى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} قيل: ولا يقال الأَنْعام حتى يكونَ في جملتها الإِبل، قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ}: وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالأَنْعَامِ} والأَنْعام هاهُنا عامّ في الإِبل وغيرِها.
والنُّعامَى بالضمّ: ريحُ الجَنُوب، وقيل: ريحٌ بين الجَنُوب والصَّبا.
والنَّعام والنَّعائِم: من مَنازِل القمر.
وتَنَعَّمه بالمكان: طَلَبَه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (45):

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{الذين يصدون} أي لهم فعل الصد لمن أراد الإيمان ولمن آمن ولغيرهما بالإضلال بالإرغاب والإرهاب والمكر والخداع {عن سبيل الله} أي طريق دين الملك الذي لا كفوء له الواضح الواسع {ويبغونها} أي يطلبون لها {عوجًا} بإلقاء الشكوك والشيهات، وقد تقدم ما فيه في آل عمران {وهم بالآخرة كافرون} أي ساترون ما ظهر لعقولهم من دلائلها؛ فمتى وجدت هذه الصفات الأربع حقت اللعنة. اهـ.

.قال الفخر:

الصفة الثانية: قوله: {الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} ومعناه: أنهم يمنعون الناس من قبول الدين الحق، تارة بالزجر والقهر، وأخرى بسائر الحيل.
والصفة الثالثة: قوله: {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} والمراد منه إلقاء الشكوك والشبهات في دلائل الدين الحق.
والصفة الرابعة: قوله: {وَهُم بالآخرة كافرون} واعلم أنه تعالى لما بين أن تلك اللعنة إنما أوقعها ذلك المؤذن على الظالمين الموصوفين بهذه الصفات الثلاثة، كان ذلك تصريحًا بأن تلك اللعنة ما وقعت إلا على الكافرين، وذلك يدل على فساد ما ذكره القاضي من أن ذلك اللعن يعم الفاسق والكافر، والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} أي الناس عن دين الله، وهو الإسلام وهم الرؤساء منهم منعوا أتباعهم عن الإيمان {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} يقول يريدون بملة الإسلام غيرًا وزيفًا {وَهُم بالآخرة كافرون} يعني: أنهم كانوا جاحدون بالبعث. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {الذين يصدُّون عن سبيل الله} أي: أذن المؤذن ان لعنة الله على الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، وهو الإسلام.
{ويبغونها عوجًا} مفسَّر في [آل عمران: 99].
{وهم بالآخرة} أي: وهم بِكَوْن الآخرة كافرون. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله}
في موضع خفض ل {الظالمين} على النعت.
ويجوز الرفع والنصب على إضمارِهُمْ أو أعني.
أي الذين كانوا يصدون في الدنيا الناس عن الإسلام.
فهو من الصدّ الذي هو المنع.
أو يصدون بأنفسهم عن سبيل الله أي يعرضون.
وهذا من الصدود.
{وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} يطلبون اعوجاجها ويذمونها فلا يؤمنون بها.
وقد مضى هذا المعنى.
{وَهُمْ بالآخرة كَافِرُونَ} أي وكانوا بها كافرين.
فحذف وهو كثير في الكلام. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {الذين يصدون عن سبيل الله} يعني الذين يمنعون الناس عن الدخول في دين الإسلام {ويبغونها عوجًا} يعني ويحاولون أن يغيروا دين الله وطريقته التي شرع لعباده ويبدلونها، وقيل معناه أنهم يصلون لغير الله ويعظمون ما لم يعظمه الله وذلك أنهم طلبوا سبيل الله بالصلاة لغير الله وتعظيم ما لم يعظمه الله فأخطؤوا الطريق وضلوا عن السبيل {وهم بالآخرة كافرون} يعني وهم بكون الآخرة واقعة جاحدون منكرون لها. اهـ.